لو قلت لك إننى وصلت إلى مطار العاصمة البريطانية فلم أجد موحدا بالله أو مشركا به يرتدى كمامة تقيه من شتى فيروسات الأنفلونزا، لقلت لى: قديمة، اكتب غيرها. فأنت بالتأكيد قرأت لكل الكتاب الذين سافروا خارج مصر منذ أن اندلعت هوجة أنفلونزا الخنازير وحكوا لك أنهم لم يجدوا أحدا فى مطارات العالم المتقدم يرتدى كمامة، ولم يصطدموا أبدا بأناس يشخطون وينطرون فى المسافرين ويعاملونهم كأنهم جربانون سيدنسون مجتمعنا المعقم الذى لم تدنس الفيروسات نقاءه بتاتا قرأت مثلك هذا الكلام، ولذلك لم أرتد الكمامة عند وصولى إلى مطار هيثرو، مكتفيا بوضعها فى حقيبتى والقبض عليها بيدى لأخرجها سريعا مع أول عطسة تداهمنى، لولا أن نظرات رجل أمن مرتاب جعلتنى أخرج يدى من الحقيبة. لم نستطع أنا وباقى القادمين من القاهرة أن نخفى دهشتنا من عدم وجود أى مظاهر توتر أو تربص بنا، راكب لا يبدو أنه محدث سفر سألنى «هم مش هيعدونا على الكاميرا الحرارية»، تطوعت وأفتيت له أن أناسا «لؤما» مثل الإنجليز سيحطون الكاميرا لنا حيث لا نحتسب، نظر لى نظرة مريبة فهمت منها أن باله راح لبعيد فقطمت الحوار فجأة انخرطت طفلة فى نوبة سعال حاد جعلتنى أرجع إلى الخلف منتظرا أن تخرج من أرضية المطار فرقة حجر صحى مدججة بأحدث أجهزة العزل الطبى، لكننى لم أجد إفرنجيا يعير سعال الطفلة المتواصل أدنى أتينشن ******* كنت متوترا لأننى قرأت على متن الطائرة تقريرا فى صحيفة الأوبزرفر يحذر الإنجليز من انتشار الفيروس الذى مازلنا نفضل تسميته أنفلونزا الخنازير تبريرا لذبحنا الفوضوى لها، خلفه مباشرة تقرير عن اكتشاف ثلاثة آلاف حالة خطأ فى نتائج التحاليل الطبية فى بريطانيا، كدت أصرخ فى الطيار «لف وارجع تانى.. بريطانيا باظت»، لولا أن عينى وقعت على سطر فى التقرير يذكرنى بأن بريطانيا تشهد كل عام ملايين التحاليل التى يجريها مرضى من أنحاء العالم، وأن عقوبات صارمة تتهدد المتسببين فى تلك الأخطاء التى رصدتها هيئة حكومية دون أن يصرخ فيها أحد أن تتقى الله فى سمعة بريطانيا وطبها أمضيت فى لندن عشرة أيام بلياليها، لم أر كائنا بشريا أو حيوانيا يرتدى كمامة، لم أقرأ سطرا يحذر من التردد على المسارح والسينمات والمتاحف والمكتبات والمطاعم والمقاهى وكلها مزدحمة طيلة الوقت، تقرأ كل يوم أخبارا عن إصابات جديدة بالفيروس، الصنداى تايمز نشرت فى ركن منزو أن العدد الفعلى للمصابين به يصل إلى خمسة وأربعون ألف بريطانى، ومع ذلك تسير الحياة ويعود، الماضى يعود ولم يفتح أحد سيرة المقابر الجماعية أبسلوتلى لا تقل لى إن الإنجليز لا يصابون بالهلع الذى نعيشه لأنهم يمتلكون كاميرات متصلة بالأقمار الصناعية ترصد «المتفيرسين» فى الشوارع، أو أنهم يمتلكون إسعافا طائرا ينقذ حتى ملايين السائحين المتدفقين على بلادهم، لا يا سيدى، كل الحكاية أن المرض عندما يتفاعل مع مركب الجهل زائد سادس أكسيد الفساد يسبب الهلع الذى نعيشه، أما العلم عندما يجتمع مع الثقة فيمن يحكمك عندها يمكن أن تتعاطى مع أعتى الأوبئة لو أردت ******* البلاد المتحضرة لا تعيش هلعنا، لأن غالبية أهلها حسموا من زمان بديهيات من نوعية أن الخدمة الصحية حق لكل مواطن وليست منحة من الزعيم الملهم، والنظافة واجب على كل مواطن يقع تحت طائلة القانون إذا لم يلتزم به
لذلك لن تجد هناك شعارات هيا ننظف بلدنا، ولن تجد حكومات معفنة تسمح بترعرع الناس وسط الزبالة، لن تضطر لقضاء حاجتك فى الشارع لأنك لم تجد حماما عاما نظيفا ومتحضرا وبملاليم، لن تجد مطعما يستمرئ النتانة لأنه مضبط مع مفتشى التموين والصحة، لن تجد من يبيع لك لحما فاسدا على أنه كفتة ثم يستأذنك لكى يصلى العصر، لن تجد من ينفث دخانه فى وجهك لأنهم خلاص اتفقوا أن من يرغب فى الموت عليه أن ينبذ فى الشارع لكى لا يميت معه الآخرين ******* لست بحاجة لتذكير أحد ألا يسعل فى وجهك أو أن يرمى مناديله فور استخدامها أو أن يغسل يديه باستمرار أو أن يذهب إلى الطبيب إذا ظهرت عليه أعراض المرض دون أن يدع من هب ودب يفتى له، هم أخذوا كل هذا فى المدرسة من زمان وعاشوا به وعليه، والغريب يا أخى أنهم فعلوا ويفعلون كل ذلك دون أن يعلقوا أبدا اللافتات التى نعلقها لدينا: النظافة من الإيمان.. حديث شريف
توقيع :emadelmansy
إن مرت الايام ولم تروني فهذه مشاركاتي فـتذكروني
وان غبت ولم تجدوني أكون وقتها بحاجة للدعاء فادعولي
أدنـى أتّنشـن