المحمل
اسم يطلق على الجمل الذي كان يحمل الهدايا أو الكسوة الموسمية إلى الكعبة والمعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم سير محملاً إلى مكة بهداياه إلى البيت الحرام ، وقد كان السلطان الظاهر بيبرس سلطان مصر أول من احتفل احتفالاً كبيراً بسفر المحمل من القاهرة إلى مكة المكرمة ، فكان يعرض كسوة الكعبة قبل سفرها بيوم ، واصبح المحمل تقليداً يقوم به ملوك مصر وسلاطينها كل سنة ، وكذا الاحتفال بعودة المحمل من الحجاز ، وهما احتفالان يشترك فيهما الجيش وحرس المحمل ومرافقوه ، وعلى رأسهم أمير الحج .
ومن أشهر المحامل العربية :
• المحمل الشامي
• المحمل العراقي
• المحمل اليمني
• المحمل المغربي
• المحمل التكروري
• المحمل الرومي أو التركي
• المحمل المصري
وهناك محامل أخرى كانت تفد إلى الأراضي الحجازية لأداء فريضة الحج ، مثل : محمل ابن سعود ، ومحمل علي دينار ، وكان المحمل الشامي يقطع المسافة بين دمشق والمدينة المنورة وتبلغ 1302 كيلومتراً في أيام عديدة ، وقد صاحب المحمل الشامي عادات ومعتقدات امتزجت بغرائب وعجائب كانت تحدث في هذه الرحلة .
وقد اهتم المسؤولون بكسوة المحمل وترصيعه في بعض الفترات بالذهب واللؤلؤ والجواهر . . ويصف المؤرخ ابن جبير ما شاهده في المحمل العراقي فيقول : "ولهم في مراكبهم على الإبل قباب تظلهم بديعة المنظر ، عجيبة الشكل ، ومن أعاجيب المحمل العراقي طريقة الاستدلال على من يضل من الحجاج بالركب ، وذلك بالطواف به والمناداة على أتباعه من فوق جمل ، فضلاً عن دقة نظام الحل والترحال وفق نقرات محددة على شكل كورسات معدنية" .
وكانت قوافل الحج المغربية تصب في القاهرة قبل أن تصل إلى الأراضي الحجازية حتى تشارك في المحمل المصري في الذهاب والعودة ، وفي القاهرة تتجمع المحامل المغربية والجزائرية والتونسية والطرابلسية والمصرية . وفي هذا التجمع الكبير كان كل محمل يتعرف على عادات وتقاليد المحامل الاخرى
والمحمل المصري عبارة عن إطار مربع من الخشب هرمي القمة له ستر من الديباج الأسود عليه كتابة وزخارف مطرزة بالذهب على أرضية من الحرير الأخضر أو الأحمر في بعض الأجزاء ، وتحده هدبة حريرية وشراريب يعلوها كرات قضية. أما بيرق المحمل ، فهو مصنوع من القماش المزركش على وجهيه آيات قرآنية وعبارات إيمانية ، وللبيرق شرابة مدلاة بخيط قيطان مزخرف من أعلى الصاري .
وكان المصريون يحتفلون بخروج المحمل ، وكان الوزراء والمؤولون يتسابقون في نيل شرف الاشتراك في السير أمام المحمل ، وكان الناس يتمتعون بمشاهدة الموكب وما يصاحبه من عروض شعبية ، ويشتمل المحمل على كسوة الكعبة وأحزمتها الحريرية المزركشة بالقصب وكانت تنقل إلى ميدان القلعة على أكتاف الحمالين ، ويحيط بها رجال الشرطة يتقدمها قسم من الجيش من بين راجل وراكب . ويتقدم الركب مأمور الكسوة ممتطيا جواده ومرتديا لباسه الرسمي وعلى يديه المبسوطتين كيس مفتاح الكعبة ، ويلي ذلك كسوة مقام إبراهيم الخليل محمولة على الأكتاف أيضا ، ثم يتلقى المحمل بالكسوة ويسير الموكب بكامله في أماكن وشوارع محددة إلى العباسية ليسافر من هناك إلى السويس ثم إلى مكة مع الكسوتين والروائح المعطرة والخرق الجديدة التي تغسل بها الكعبة. وكان توديع المحمل بالكسوة يتم في حفل يتبارى فيه كبار المنشدين في إنشاد المدائح النبوية .
أما المحمل الشامي ففي شهر رجب يتم إرسال المحمل النبوي الشريف إلى مكة المكرمة حاملا كسوة الكعبة الشريفة ، ولأنه يحمل الصرة السلطانية التي تحتوي على هدايا إلى مدينة الرسول رمزا للولاء والحب والإخلاص ، فنرى المساجد وقد زينت بأضواء براقة وأقيمت حولها السرادقات مع موائد الطعام ، وإحياء الليالي بتلاوة القرآن والدروس الدينية والأناشيد في مدح الحبيب المصطفى ، صلى الله عليه وسلم ، كما يتحدث الأئمة في المساجد عن حب الرسول ، صلى الله عليه وسلم وتستمر الاحتفالات فيه حتى الثاني عشر من شهر رجب ويقدم السلطان أكياسا ممتلئة بسجلات الصرة السلطانية ليتم تسلمها إلى أمين الصرة الذي يختاره السلطان من العلماء أو الجند أو الأشراف ، ويتم الإعلان عن محتويات الصرة
ويستعد الموكب المؤلف من مئات الجمال المحملة بالهدايا ومئات من الفرسان على رأسهم جمل المحمل الخاص بالحج ، ويحمل كسوة الكعبة والصرة السلطانية ، ويمشي الجمل بعد قراءة القرآن متجها إلى المرفأ بين جماهير غفيرة ، ويصل الموكب إلى بلاد الشام مجتازا أراضي الأناضول مدينة تلو أخرى ، وتحط القافلة رحالها في دمشق ملتقى قوافل الحجاج من كل أنحاء العالم ، ومنها تسير الأفواج إلى الأراضي المقدسة . وفي أول أيام العيد عيد الفطر تصطف الفرق العسكرية أمام الجامع الأموي متجهة إلى الحرمين الشريفين وسط احتفال كبير . وفي اليوم الرابع من العيد يخرج المحمل ويعطي أمير الحج إشارة الانطلاق ويسير المحمل وسط حشد كبير من المسؤولين والمرافقين والمودعين . يمر الموكب بين تهليل وتكبير الناس وقراءة القرآن الكريم ، ومن قرية المقدم تشد الرحال باسم الله باتجاه الاراضي المقدسة .
تصل القافلة المباركة إلى مكة يوم عيد الأضحى المبارك وسط بهجة أهل مكة . . وبعد توزيع الصرة السلطانية على أماكنها المخصصة يرسل شريف مكة خطاب شكر ودعاء للسلطان التركي يحمله إليه حامل البشارة ، ولعل كسوة الكعبة أهم ما في الموكب ، حيث يتولى السلطان صنعها ، ويتم تبديل الكسوة الجديدة بالقديمة وسط احتفالات كبيرة ، ويعود الموكب بالقديمة إلى استانبول لتستقبل بإحلال بالغ وتوزع قطعها على المساجد السلطانية الكبيرة وعلى العلماء والأعيان وأشراف القوم أما الصرة السلطانية فكانت تحوي قطعاً ذهبية كثيرة ومجوهرات كريمة توزع على أهل تلك البلاد ، وتصرف على إصلاح طرق الحج . وإعمار مكة المكرمة والمدينة المنورة ومرافق الحرمين الشريفين . وبدأت عادة إرسال الصرة إلى الحرمين في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله (908-932) وتؤكد الوثائق أن الفاطميين والمماليك كانوا يرسلون الصرة إلى الحجاز أيضاً .
وكان السلطان العثماني سليمان القانوني أكبر السلاطين إرسالاً للصرة بين آل عثمان ، والجدير بالذكر أن الدولة العثمانية لم تتخل عن إرسال الصرة السلطانية حتى في أصعب أيامها اقتصادياً وسياسياً ، وكانت اخر صرة في عام 1917م حيث أرسلت عبر الشام في أثناء الحرب العالمية الأولى ، ولكن بعد الحرب عادت القافلة أدراجها إلى استانبول ، ومن ثم كانت نهاية قوافل المحمل أو ما عرف بمواكب الصرة . . فكانت رحلة المحمل ، وديعة كريمة حملها الكرام على محامل قلوبهم تلبية للعهد ولمشاعر الوفاء .
في العام 1927م أصدر الملك عبد العزيز آل السعود أمرا ملكيا بتشييد مصنع أم القرى لصناعة الكسوة الشريفة وكان أول مدير للمصنع الشيخ عبد الرحمن مظهر حسين مظهر الأنصاري وهو الذي قام باقتراح إنشاء المصنع في مكة المكرمة، وفي العام 1977م أنشأت السعودية مصنعا جديدا لكسوة الكعبة في أم الجود ما زال مستمرا إلى الآن في تصنيع الكسوة الشريفة.
