يُعتبر العفو والتسامح من الأخلاق الإسلامية الرفيعة التي حثّ عليها القرآن الكريم والسنّة النبوية، وجعلها الإسلام من دلائل كمال الإيمان، ووسائل نيل رضا الرحمن.
فالعفو من صفات الله تعالى، والتسامح هو خلق الأنبياء والصالحين، وهو أساس العلاقات الإنسانية السليمة.
مفهوم العفو والتسامح في الإسلام
تعريف العفو
العفو هو التجاوز عن الذنب رغم القدرة على العقوبة، وهو أعلى درجات الصفح، يتضمن إزالة أثر الإساءة وكأنها لم تكن.
تعريف التسامح
التسامح هو تقبل الآخرين رغم الاختلاف، والتجاوز عن الأخطاء دون ضغينة، ويُظهر قوة الشخصية والسمو الأخلاقي.
آيات قرآنية عن العفو والتسامح
1. قوله تعالى:
“فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنّه لا يحب الظالمين” [الشورى: 40]
- دعوة صريحة للعفو مقرونة بالأجر من الله، وبيان أن العفو لا يعني الضعف، بل هو رفعة.
2. قوله تعالى:
“ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم” [فصلت: 34]
- تُبيّن أن التسامح قد يغيّر العداوة إلى محبة.
3. قوله تعالى:
“والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” [آل عمران: 134]
- يمدح الله من يكظم الغيظ ويعفو، ويجعل ذلك من صفات المحسنين.
4. قوله تعالى:
“خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” [الأعراف: 199]
- أمر إلهي بأخذ العفو وجعله خلقًا عامًا في التعامل.
5. قوله تعالى:
“وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟” [النور: 22]
- يحثّنا الله على العفو بمقارنة جميلة بين عفو الإنسان وغفران الله.
أحاديث نبوية عن العفو والتسامح
1. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله” [رواه مسلم]
- العفو يزيد الإنسان رفعة وعزة في الدنيا والآخرة.
2. قال صلى الله عليه وسلم:
“ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” [متفق عليه]
- التسامح وكظم الغيظ من علامات القوة الحقيقية.
3. قال صلى الله عليه وسلم:
“ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” [رواه الترمذي]
- الرحمة والتسامح سبب لنيل رحمة الله.
4. قال صلى الله عليه وسلم:
“من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين ما شاء” [رواه أبو داود]
- وعد عظيم لمن يكظم غيظه ويعفو.
5. عن أنس رضي الله عنه قال:
“خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أفٍ قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟” [رواه مسلم]
- نموذج راقٍ للتسامح من رسول الله في تعامله مع خدمه.
نماذج عملية للعفو والتسامح
عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة
- رغم تعذيبهم له ولأصحابه، قال لهم يوم الفتح: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
يوسف عليه السلام وعفوه عن إخوته
“قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” [يوسف: 92]
- رغم ما فعلوه به، قابلهم بالعفو والإحسان.
عفو الصحابة
- كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعفو عن من أساء إلى ابنته عائشة رغم قدرته على الانتقام.
أثر العفو والتسامح على النفس والمجتمع
على النفس:
- يريح القلب ويُذهب الغل والحقد.
- يمنح سلامًا داخليًا وطمأنينة.
على المجتمع:
- ينشر المحبة ويقلل النزاعات.
- يقوّي العلاقات بين الأفراد ويُعزز التماسك الاجتماعي.
كيف نُحقق العفو والتسامح في حياتنا؟
1. الاقتداء بالأنبياء
في تعاملهم مع الناس والصبر على الأذى.
2. تذكّر الأجر العظيم
من يعفو ويصفح له أجر عند الله لا يُقارن.
3. تدريب النفس على ضبط الغضب
بتجنب الجدال، والتدرّب على كظم الغيظ.
4. قراءة السيرة النبوية
لأنها مليئة بالمواقف التي تعلّمنا التسامح.
5. الدعاء
أن يرزقنا الله قلوبًا سليمة، قادرة على العفو والعطاء.
التسامح في التعاملات اليومية
- في البيت: تجاهل الزلات بين الأزواج.
- في العمل: تقبّل الاختلاف مع الزملاء.
- في الشارع: التغاضي عن التصرفات المزعجة.
- في الإنترنت: الرد بالحسنى وعدم نشر الكراهية.
العفو والتسامح
من القيم التي تُحيي القلوب، وتُصلح المجتمعات، وتجعل الإنسان محبوبًا عند الله وعباده.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة في عفوه وتسامحه.
فلنتمثل بهذه الأخلاق، ولنجعل من آيات الله وأحاديث نبيه نورًا نهتدي به في تعاملاتنا اليومية.
قال تعالى:
“وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” [آل عمران: 133-134]
