logo

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتديات كويك لووك ، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .






look/images/icons/i1.gif سر ام كلثوم و حنجرتها الفريدة
  23-11-2012 02:59 مساءً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 2008-08-27
رقم العضوية : 8
المشاركات : 3082
الدولة : Egypt
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 929
التعليم : ابتدائي
الهواية : شعر
Kulthum



أما الآخرون فقد تربوا على صوتها من خلال المذياع

أعتقد أن الخلاصة الأهم في فن أم كلثوم، ستبقى رهنا بمرور مزيد من السنوات، وولادة أجيال جديدة، يسمح لها البعد الزمني بغربلة أكثر موضوعية، ومقارنة أكثر موضوعية بين مختلف مراحل فن أم كلثوم. أما وأن الغربلة التاريخية ما زالت تتم – حتى كتابة هذه السطور- من خلال الجيل أو الأجيال التي تربت ذائقتها الفنية، وتكونت ذاكرتها الفنية في مرحلة الحفلات الشهرية الحية لأم كلثوم، ذات السطوة الفنية والوجدانية الحاضرة في ذائقة الأمة العربية منذ بداية أربعينيات القرن العشرين، حتى يومنا هذا، مع امتداد في الأثر سيشمل سنوات قادمة لا يمكن تحديدها منذ الآن، بفضل الاحتفاظ بهذا التراث في تسجيلات صوتية وبصرية. وإلى أن تتم هذه الغربلة التاريخية، ويأتي زمانها، فلا شك بأن حضور أم كلثوم في الذاكرة العربية سيظل مجسدا بتسجيلات حفلاتها الحية. أما المرحلة البالغة الخصوبة، والعالية القيمة الفنية، التي أنجزتها أم كلثوم وملحنوها الأوائل بين 1927 و 1937 بشكل خاص، فإنها إما انزوت إلى أجل غير مسمى على رفوف محفوظات الموسيقى العربية الرفيعة، بعيدا عن الوجدان الحي للأجيال الجديدة من المستمعين، أو أنها تراجعت (في أحسن أحوالها) إلى موقع جانبي (حتى لا أستخدم عبارة هامشي) في التقييم العام لمجمل حصيلة أم كلثوم الفنية العامة، لأن حرارة الأثر الطويل لحفلات أم كلثوم الشهرية الحية، ما زالت هي صاحبة الصدارة في وجدان المستمعين، بل وفي موازين النقد.

لا أقول هذا الكلام تقليلا من قيمة تراث أم كلثوم الذي صنعته حفلاتها الشهرية الحية، ولكني أحاول فقط لفت النظر إلى أن تراث أم كلثوم ينقسم فعلا إلى مرحلتين مختلفتي الأوصاف والمزايا: مرحلة الاسطوانات، ومرحلة الحفلات الحية. والمرحلة الثانية هي الطاغية إلى الآن، مما يستدعي في كل الأحوال إلقاء أضواء نقدية وتحليلية خاصة على فن الارتجال الغنائي والموسيقي، الذي كانت تمارسه أم كلثوم في حفلاتها الحية، بتبادل وتكامل عبقري بين أدائها الغنائي وعزف الفرقة الموسيقية المرافقة لها، وعلى رأسها نفر من عباقرة العزف على الآت منفردة في وسط الفرقة الموسيقية، ذلك أن فن الارتجال هذا يستحق وحده وقفات طويلة، ربما لن تستوفي حقها كاملا إلا بدراسات لاحقة، تبدأ بجمع كل تسجيلات حفلاتها الحية، وتعمد بعد ذلك إلى تحليل تفصيلي لها.

هذا الكلام يقودنا إلى مجموعة من الملاحظات التوضيحية:

من حيث المبدأ سبقت الإشارة في صفحات سابقة إلى أن أم كلثوم لم تحتكر فقط فضل إحياء الفلسفة الجمالية لغناء القرن التاسع عشر (وعصبها الأساسي الارتجال) في عز القرن العشرين، وإيجاد صلة وجدانية بين عرب القرن العشرين وهذه الفلسفة الجمالية الغنائية، ولكنها فعلت ذلك من خلال معادلة فذة وتاريخية (بكل معنى الكلمة)، لأنها أعادت إحياء تلك الفلسفة الجمالية الغنائية التراثية، بصبغة جديدة ومتطورة في الأداء الغنائي، وفي إطار لحني (وهذا هو الأهم) له كل مواصفات النهضة الموسيقية العربية في القرن العشرين، بمختلف مراحله، وعلى يد ملحنين يختلفون كثيرا في علاقتهم العملية بالتراث القادم من القرن التاسع عشر.

بعد هذه الملاحظة المبدئية الأساسية، لا بد لنا من ملاحظة ثانية، تشير إلى أن أي تقييم موضوعي للخلاصة الفنية لفن الارتجال عند أم كلثوم، لا بد من أن يأخذ في الاعتبار أن مستوى الإبداع الفني في الارتجال الغنائي لم يكن على سوية واحدة في جميع حفلات أم كلثوم، كما يعتقد المتيمون بهذا الفن، الذي يفقدون عند الاستماع إلى أي من نماذجه، أي حاسة نقدية. ذلك أن نسبة غير قليلة من حفلات أم كلثوم تعتمد على ارتجالات محدودة القيمة الفنية، كانت تقوم في أحيان غير قليلة على مجرد تلبية رغبة الجمهور في الإعادة والاستزادة، فتأتي الإعادة في مثل هذه الحالات شحيحة بفنون الارتجال الإبداعي، ولا تتجاوز سوى بعض التصرفات الغنائية المحدودة.

غير أن هذا النوع من الارتجال، كان يقابله في حفلات أم كلثوم، وعلى مدى عمرها الفني كله، نماذج من الارتجال الإبداعي العبقري، الذي يرتفع فيه خيال المغني إلى درجة التماهي والتكامل مع خيال الملحن، بل يصل إلى جو الإضافة الإبداعية لخيال الملحن.

ان هذا الموضوع يستحق دراسات منفصلة (كما أسلفنا)، تقوم على جمع كل تسجيلات حفلات أم كلثوم الحية، وإخضاعها للدراسة المعمقة، حتى يمكن فرز الحفلات التي كان فيها مزاج أم كلثوم الفني، ومزاج فرقتها الموسيقية في لحظات من التجلي الفني الرفيع الذي يستحق حتما إعادة عرضه بكل الوسائل التقنية المتطورة المتاحة على مسامع الأجيال العربية المتعاقبة، ومواكبته بتحليلات دراسية تستخلص منه كل كنوزه الإبداعية، فلا تبقى هذه الكنوز كالذهب المختلط بالنحاس، يتساوى فيه الارتجال الإبداعي العبقري، بالإعادة العادية التي قد تحمل تصرفات عادية، وقد لا تحمل. ويمكنني أن أختم هذه الملاحظة بأن تسجيلات أم كلثوم المفعمة بلحظات الارتجال الإبداعي الكبير، يمكن للمستمع المتمرس أن يستدل عليها إما في عزف الفرقة الموسيقية في مقدمة الأغنية، فيكشف عزفهم من بدايته عن لحظات تجاوب هائل في المزاج الرفيع (في تلك الليلة) بينهم وبين أم كلثوم، أو في العبارات الغنائية الأولى التي تنطق بها أم كلثوم (وربما الكلمة الأولى) التي تحمل منذ البداية كثافة خاصة في مزاج فني غير عادي غالبا ما يحكم تلك السهرة الغنائية من أولها إلى آخرها.

*لا بد في دراسة فن الارتجال عند أم كلثوم دراسة تفصيلية، من استقراء تلك العلاقة السحرية بينها وبين فرقتها الموسيقية من جهة، وبينها وبين الجمهور من جهة ثانية.

العلاقة مع الجمهور

أما بالنسبة للجمهور، فلا بد من استدراك نشير فيه إلى أن هذه العلاقة لم تكن مثالية في كل الأحوال. وربما يمكن القول هنا إلى أن جمهورها الأكثر ثباتا في علاقته بها، كان بلا شك جمهور القاهرة. وهذا أمر منطقي بل بديهي، لأن ما بينها وبين هذا الجمهور عشرة طويلة حية. أما بقية الجماهير العربية، التي تربت على صوت أم كلثوم من خلال المذياع، فقد تفاوتت علاقتها بها، في حفلاتها الحية في مختلف البلاد العربية. ويمكنني هنا أن أقارن على سبيل المثال، بين حفلتين قدر لي حضورهما شخصيا: الأولى في مسرح قصر الاونيسكو ببيروت، وكانت سهرة سنباطية كاملة (عودت عيني، هجرتك، أروح لمين)، كان الجمهور فيها يذكر تماما في تقاليد الاستماع وآدابه ومزاجه بجمهور القاهرة، حتى أنها أفردت في المجال لبعض التقاسيم المنفردة (مع أروح لمين)، وقدمت ضروبا رفيعة من الارتجال الإبداعي في عودت عيني. اما حفلة بيسين عاليه، التي أنشدت في وصلتها الثالثة “الهوى غلاب”، فقد كانت غالبية الجمهور فيها من النوع الاستعراضي الصاخب، الذي ينشغل في كل دقيقة بإظهار نشوته بطريقة سطحية صاخبة، بدل استغراقه في عملية استماع حقيقية. وأذكر تماما، أن ردة فعل أم كلثوم كانت من قماشة تذوق ذلك الجمهور، فاختصرت الأغنية في عشرين دقيقة، كأنها تسجلها على اسطوانة، وأدتها بكل جفاف وبرود، من بدايتها إلى نهايتها.

طبعا، النسبة الغالبة من تسجيلات الحفلات الحية لأم كلثوم، تشمل النوعية الأولى من الجمهور الذي استشهدت به (جمهور مسرح الاونيسكو ببيروت). لذلك يلاحظ أن أم كلثوم كانت تتمتع بميزة ثابتة في علاقتها بجمهورها (إلا في الحالات الشاذة كما أشرت) هي ميزة “الكرم الغنائي الحاتمي”. فحتى في الحفلات التي يكون مزاج أم كلثوم فيها على غير ما يرام، فإنها تغني في الغالب دائما، وكأنها تبذل آخر قطرة من دمها ومن أعصابها ومن جهدها مع كل كلمة تقولها، ولا تبخل بالإعادة إذا ألح الجمهور في طلبها، حتى لو لم تكن هي راغبة في الإعادة ، وهذا ما يفرق (كما أشرت في الملاحظة السابقة) بين الإرتجالات الإبداعية، والاعادات التي تتم بطريقة شبه آلية، لمجرد مراعاة إلحاح الجمهور. حتى أن الناقد الكبير كمال النجمي قد أشار إلى هذه الظاهرة في أحد كتبه، وطالب الجمهور (في منتصف الستينيات) أن يكف عن “ابتزاز” أم كلثوم،ويكتفي منها بما تود هي تقدمه، فلا يضغط عليها في كل مقطع، لتعيد إنشاده مثنى وثلاثا ورباعا.

غير أن هذا ليس سوى وجه من وجوه حفلات أم كلثوم، أزعم أنه ليس الوجه الغالب، خاصة بالنسبة لحفلاتها القاهرية الرسمية، التي يمكن دراسة تسجيلاتها باعتبارها لونا فنيا قائما بذاته، له تقاليده الفنية على المسرح، كما في الصالة، في خط مواز لتقاليد عزف وسماع الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية في الصالات المخصصة لذلك.

وقد تعمدت هذه المقارنة لأغراض عديدة، أهمها كسر ذلك الحاجز النفسي لدى بعض المثقفين العرب، الذين لا يعتقدون بوجود تقاليد راقية في التأليف الموسيقي العربي وفي الغناء العربي وفي آداب السماع العربية، إلا إذا أصبح كل ذلك مطابقا، في شكله ومضمونه، لما هو سائد في الغرب. بينما تثبت حفلات أم كلثوم، بما يقدم على المسرح من عزف وغناء، وبما يسود القاعة من آداب الاستماع الراقي وتقاليده (كما أثبتت حفلات الموسيقى العربية التي كان يقدمها عبد الحليم نويره، والتي نقدمها الفرق التي نسجت على منواله فيما بعد)، هو مواز بل مطابق في روحه ومضمونه للمستوى الحضاري المحترم للموسيقى الأوروبية الكلاسيكية (عزفا وسماعا)، وإن اختلف عنه في بعض التفاصيل الشكلية، الناجمة عن فروق في المزاج والبيئة، لا عن فروق في المستوى الحضاري.

تقاليد الاستماع

وعلى سبيل المقارنة، فان من تقاليد سماع الموسيقى الأوروبية الكلاسيكية أن يسود صمت شامل في أثناء السماع، حتى يبدو السعال الاضطراري الذي قد يقطع ذلك الصمت، مستهجنا إذا تجاوز الحدود المعقولة. أما التصفيق، فانه ممنوع منعا باتا في ختام أي حركة من حركات العمل الفني الواحد (الذي يتراوح عادة بين ثلاث أو أربع حركات، أو خمس حركات في حالات نادرة)، فإذا انتهى العمل الفني، بجميع حركاته، فللجمهور ان يندفع في التصفيق والهتاف إلى ما شاء، سواء من ناحية رفع عقيرة الصوت، أو مد الهتاف والتصفيق إلى مدى زمني يراه الجمهور ضروريا للتعبير عن إعجابه. ويعتبر ارتفاع عقيرة الجمهور بالهتاف، ودوي تصفيقه ارتفاعا وحدة، وامتداد زمن الهتاف والتصفيق، المعيار الذي يقاس به نجاح الأداء الذي يتم على المسرح.

ويبدو عدم تمرس الجمهور العربي بهذه التقاليد الأوروبية، في حفلات الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية، القليلة التي تقدم في أي عاصمة عربية، حيث يخالف قسم من الجمهور تلك التقاليد، لضعف ممارسته في هذا المجال، فيقاطع كل حركة (من العمل الواحد) بالتصفيق، ويستدعي بذلك استهجان القسم الأخر من الجمهور العربي، الذي تمرس بتلك التقاليد في حفلات سماع أوروبية.

أختصر فأقول أن شكل هذه التقاليد لم يكن مطبقا بحذافيره في حفلات أم كلثوم، ولكني أزعم أن روح تلك التقاليد كانت موجودة، مع اختلاف في التفاصيل(كما أسلفت)، ناجم عن اختلاف في طبيعة الفن الذي يقدم على المسرح، واختلاف البيئة الاجتماعية في حرارتها وبرودتها، لا عن اختلاف في المستوى الحضاري، كما أكدت سابقا. وليس علينا للتأكد من دقة هذه الملاحظة وموضوعيتها سوى أن نقارن الجو المحترم الذي كان يسود عملية السماع في حفلات أم كلثوم الحية، حتى عند ذروة اشتداد حالة الطرب والنشوة بين الجمهور( خاصة في القاهرة)، وبين حالة السماع السائدة حاليا لدى الجمهور العربي نفسه، الذي يستمع إلى نماذج الفن الموسيقي والغنائي الاستهلاكي، السائد في الربع الأخير من القرن العشرين.

أما ملامح صورة السماع في حفلات أم كلثوم، فيمكن وصفها كما يلي:

شك بأن الإصغاء الدقيق والمحترم كان هو السيد في تقاليد السماع في حفلات أم كلثوم (وهذا هو الأهم).

كان مسموحا بإطلاق همهمات هادئة مع أي جملة لحنية أو غنائية تحرك مكامن النشوة والطرب، ولكن من دون أن تعلو تلك الهمهمات إلى درجة تقطع على مطلقها، أو على مجاوريه، حالة الإصغاء الجاد والمعمق، بل أزعم أن بعض تلك الهمهمات الهادئة كانت تساعد على شحن أجواء الاستماع الجاد والمعمق بحرارة إنسانية رفيعة.

يجئ التصفيق عادة مع كل نقلة منطقية في الغناء أو الموسيقى، وليس من الضرورة انتظار القفلة النهائية للعمل الفني (كما في الموسيقى الأوروبية الكلاسيكية)، ولا حتى قفلة كل حركة من العمل (أو كل مقطع وفقا للتعابير العربية)، إن كثيرا من المقاطع في عدد غير قليل من أغنيات أم كلثوم المسرحية، يحفل بقفلات فرعية في وسطه، بما لا يمكن معه أن يكتم الجمهور إبداء إعجابه حتى نهاية المقطع، أو نهاية الأغنية.

نظرا لطبيعة الارتجال الذي تمارسه أم كلثوم غناء، وتمارسه فرقتها الموسيقية عزفا، على اللحن الأساسي الواضح المعالم (والمدون بالنوتة الموسيقية)، فان ردود الفعل التفصيلية للجمهور، خاصة في حفلاتها القاهرية، التي ترتفع فيها عادة درجة الوقار والهدوء، تأتي أولا بأول، وفي مواقع بالغة الدقة عادة (أي في موقعها المناسب)، مما يلعب دورا بالغ الأهمية في تبادل حالة النشوة بين أم كلثوم والجمهور، في عملية ذهاب وإياب لا تتوقف، ويؤدي إلى حالات من تراكم الوجد والنشوة لدى أم كلثوم والجمهور، وإلى تراكم في عملية العطاء الفني التي تتم على المسرح، في غناء أم كلثوم وفي عزف فرقتها الموسيقية، وخاصة ما يقدمه عباقرة العزف المنفرد على العود والقانون والكمان والرق.

أن هذا الوصف هو خلاصة سماع مطول لمعظم حفلات أم كلثوم، إما حية عند إذاعتها، أو في تسجيلاتها. وما على أي مشكك في دقة هذه الملاحظات وموضوعيتها، أو من يرى فيها أي شبهة بمبالغة، سوى أن يستمع (على سبيل المثال لا الحصر طبعا) إلى مقطع “توعدني بسنين وأيام” في لحن زكريا أحمد “أنا في انتظارك” (في التسجيل المطبوع على اسطوانات أو أشرطة صوت القاهرة)، والمقطع الأخير من أغنية “أغار من نسمة الجنوب” (الذي يبدأ بعبارة يا ليتنا) من ألحان رياض السنباطي، حتى يلمس لمس اليد الملامح الكاملة لآداب التقاليد الراقية للسماع في حفلات أم كلثوم (وان اختلفت في التفاصيل عن آداب سماع الموسيقى الأوروبية الكلاسيكية)، كما يلمس لمس اليد الآفاق الواسعة للإبداع الفني الراقي (عزفا وغناء) التي تفجرها ممارسة الجمهور لآداب السماع هذه، لدى أم كلثوم وفرقتها الموسيقية، وهي آفاق تصل في كثير من الحفلات إلى ذرى عالية في الإبداع الارتجالي لدى أم كلثوم، وتجعلها في حالة من الكرم السخي في حرق أعصابها وإذابتها في كل حرف تنطق به، كما تفجر لدى العازفين (جماعيا وفرديا) إبداعات فنية لا حدود لها، لا بد من الحفاظ على تسجيلاتها كنماذج تاريخية لفن الموسيقى العربية في القرن العشرين، وإحاطتها بكل ما تستحقه من دراسة، لتحويلها إلى نماذج سمعية ودراسية، بين أيدي وآذان الأجيال العربية القادمة.

إن الحوار الارتجالي الإبداعي بين تصرفاتها الغنائية وتصرفات عازفيها، ثم الحوار التحتي الذي يدور بين الآلات المنفردة من كمان وقانون ورق وعود وناي وكونترباص، هي خلاصة ذلك الشكل الفني الذي تخصصت به أم كلثوم في القرن العشرين، امتدادا لفلسفة الارتجال في الموسيقى والغناء العربية في القرن التاسع عشر، وتطويرا خلاقا لتلك الفلسفة والتقاليد الفنية والجمالية الفاحشة الثراء.
2012-04-09_00108


تم تحرير المشاركة بواسطة :rose بتاريخ:23-11-2012 03:01 مساءً




الساعة الآن 09:10 PM