التسامح: قيمة إنسانية عظيمة في الإسلام والمجتمع
يُعد التسامح من القيم الإنسانية النبيلة التي دعا إليها الإسلام، وأكد عليها في نصوصه القرآنية والحديثية، وجعلها من علامات الإيمان والخلق الرفيع.
فالتسامح يعني العفو، واللين، وقبول الآخرين، وتجاوز الإساءة من أجل الحفاظ على المودة والسلام المجتمعي.
ما هو التسامح؟
تعريف التسامح
التسامح هو التغاضي عن الأخطاء، والعفو عند المقدرة، والتعامل مع الآخرين بروح من الرحمة والتقدير، دون حقد أو كراهية، حتى في مواقف الخلاف.
الفرق بين التسامح والضعف
التسامح لا يعني الضعف أو الاستسلام، بل هو دليل على القوة النفسية، والثقة بالنفس، والقدرة على التحكم بالعواطف.
التسامح في الإسلام
الآيات القرآنية التي تحث على التسامح
قال تعالى:
“خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” [الأعراف: 199]
وقال سبحانه:
“والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” [آل عمران: 134]
أحاديث نبوية عن التسامح
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” رواه الترمذي.
وقال أيضًا:
“من لا يَرحم لا يُرحم” رواه البخاري.
وفي حديث آخر:
“ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا” رواه مسلم.
تسامح النبي صلى الله عليه وسلم
- عفا عن أهل مكة يوم الفتح وقال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
- لم ينتقم لنفسه قط، وكان دائم العفو حتى عن أشد أعدائه.
أنواع التسامح
1. التسامح الديني
احترام معتقدات الآخرين وعدم الإساءة إليهم. وقد أكد الإسلام على حرية العقيدة:
“لا إكراه في الدين” [البقرة: 256]
2. التسامح الاجتماعي
ويشمل التعامل اللطيف مع الجيران، والزملاء، والأصدقاء، وتقبل الفروقات الشخصية والثقافية.
3. التسامح الأسري
بين الزوجين، وبين الآباء والأبناء، حيث يجب أن يسود العفو والتفاهم بدلًا من التوتر والصراع.
4. التسامح في العمل
من خلال التعاون، وتجاوز الهفوات، والتعامل بروح الزمالة والاحترام.
فوائد التسامح للفرد والمجتمع
1. تعزيز السلام الداخلي
التسامح يحرر النفس من الكراهية والانتقام، ويمنح الشعور بالراحة والطمأنينة.
2. تقوية العلاقات الاجتماعية
التسامح يبني جسور الثقة بين الأفراد، ويعزز الاحترام المتبادل.
3. تقليل النزاعات والخلافات
المجتمعات المتسامحة أقل عرضة للصراعات والتنافر.
4. نيل رضا الله
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس”، والتسامح من أعظم النفع.
5. القدوة الحسنة
المتسامح يكون قدوة في بيئته، ويؤثر إيجابًا فيمن حوله.
التسامح وعلاقته بالنجاح
- الأشخاص المتسامحون أكثر قدرة على التركيز في حياتهم الشخصية والمهنية.
- لا يضيعون وقتهم في الحقد والعداوات، بل ينظرون إلى المستقبل بإيجابية.
- يتمتعون بعلاقات أوسع وأقوى.
كيف نكون متسامحين؟
1. تذكُّر فضل العفو
من يعفو يُعفى عنه، ومن يرحم يُرحم، ومن يزرع خيرًا يحصد خيرًا.
2. التحلي بالصبر والحِلم
الصبر من أعظم الصفات التي تعين على التسامح.
3. فهم طبيعة النفس البشرية
كل إنسان قد يخطئ، والتماس الأعذار يُقلل من التوتر.
4. التدريب على التحكم في الغضب
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.
5. الدعاء والتقرب إلى الله
- اطلب من الله أن يمنحك قلبًا رحيمًا ومتسامحًا.
- اقرأ في سيرة النبي وتعلّم من مواقفه في التسامح.
التسامح في العصر الحديث
في زمن تكثر فيه الخلافات والمشاحنات على مواقع التواصل الاجتماعي، تزداد الحاجة إلى التسامح، وقبول الآخر، والرد بالتي هي أحسن.
- التسامح يساعد في حل الأزمات المجتمعية.
- يسهم في دعم الحوار الحضاري بين الأديان والثقافات.
مواقف من التاريخ في التسامح
1. تسامح عمر بن الخطاب
عندما جاءه رجل يسبّه، لم يرد عليه بل قال: “رحم الله من أهدى إلي عيوبي”.
2. صلاح الدين الأيوبي
عفا عن أعدائه بعد استرداد القدس، ولم يقتل أو ينتقم كما فعل الصليبيون.
3. الإمام الشافعي
قال:
“لئن كان الحق في يدي خصمي، فأنا أُحب أن يظهر على لساني”، تعبيرًا عن صفاء النفس.
التسامح في التعاملات اليومية
- التسامح مع السائقين في الشارع.
- التسامح مع الموظف الذي ارتكب خطأ.
- التسامح مع الطفل الذي لم يفهم القاعدة.
- التسامح مع من خذلك أو خالف رأيك.
الخاتمة
إن التسامح سلوك راقٍ وأخلاقي أصيل، ينبغي أن يكون سمة كل مسلم، بل كل إنسان يريد أن ينعم بحياة طيبة وعلاقات مستقرة.
فكلما زرعت تسامحًا، حصدت احترامًا وسلامًا داخليًا. اجعل التسامح أسلوب حياة، وابدأ اليوم بفتح صفحة جديدة مع نفسك ومع من حولك.
قال تعالى:
“فمن عفا وأصلح فأجره على الله” [الشورى: 40]